
اكتشف جهاز مكافحة الإرهاب البلجيكي في أحد المنازل التي استخدمها منفذو الهجمات الثلاثاء الماضي 15 كيلوغراما من مادة بيضاء، شديدة الحساسية وسريعة التبخر، مع قدرة عالية على القتل إذا ما أضيفت إليها مواد رخيصة، يمكن لأي كان شراؤها من المتاجر العادية، فتتحول بعد "طبخها" وإعدادها للتفجير، إلى مادة خطيرة .
اسمها العلمي "تربروكسيد تريستون" ويختصرونه علميا ب TATP في المختبرات ، أما الإنتحاريين ، فاسمها "أم الشيطان" وآخرون منهم يسمونها "أم العبد" تحببا ودلعا، لأنها سهلة الإعداد ورخيصة ونتائجها مضمونة، لذلك يفضلها الانتحاري عن سواها، فيمضي المزود حزامه بها إلى "عمليته" مطمئنا أنه سيقتل غيره معه بالتأكيد، ، وبها داهموا بروكسل باكرا عند الصباح وقتلوا العشرات.
مادة TATP حساسة جدا وغير مستقرة كيميائيا، لذلك يعتبرها العسكريون غير صالحة للاستخدام الحربي، لأن حساسيتها العالية للاحتكاك والصدم والحرارة تمنع حفظها، لتبخرها السريع في الهواء، إلى درجة أنها تفقد نصف وزنها بعد 3 أشهر تقريبا، وقد تختفي كليا من الوجود بعد 6 أيضا.
وقام باحثون سعودييون بالبحث في المادة التي سموها وتوصلوا إلى تحديد المدة التي تبقى فيها على أيدي المتعاملين بها، أو في السيارات التي تنقلها للقيام بالتفجيرات على أنواعها، مستندين في بحثهم على نتائج تحضير المركب في مختبرات الأدلة الجنائية ودراسة بعض المذيبات العضوية، فتمكنوا من "تحديد أكثر منطقة في السيارة والمركبة تستطيع الاحتفاظ بآثار المادة لفترة زمنية" .
وتوصل الباحثون إلى أن TATP تبقى يومين تحت أظافر المشتبه بتعاملهم معها لإعداد المتفجرات، وهي نتائج "لقيت استحساناً دوليا للخبراء والمهتمين بموضوع تحليل المتفجرات.
ومن يطالع عن "أم الشيطان" في أرشيفات كثيرة، يمكن العثور عليها "أونلاين" عبر الاستعانة بخانات البحث في مواقع التصفح، ومنها "غوغل" ، سيجد أنه من السهل جدا الحصول على مكونات TATP التي لا يثير شراؤها أي شبهة على الإطلاق (ونحجم عن ذكرها لعدم الترويج لها) لذلك تم استخدامها بسهولة بهجمات باريس، فأودت بحياة 130 بنوفمبر الماضي، وجرحت وشوهت المئات، مع أن موادها من الأرخص، منزلية الصنع، إلا أن قدرتها على القتل كبيرة.
و في سبتمبر 2009 بنيويورك، تم اعتقال الأفغاني نجيب الله زازي، الذي حاول تفجير مترو الأنفاق في المدينة، باستخدام "أم الشيطان" التي اشترى موادها من متجر لمواد التجميل، وآخر للأدوات المنزلية، ثم تعامل مع ما اشتراه وتمكن وهو في غرفة بفندق نزل فيه، من صنع ما كاد يقتل به العشرات، لكنهم اعتقلوه قبل تحقيق ذلك ، لا بسبب شرائه المواد التي لا رقابة عليها، بل لأنهم تتبعوه عبر الاستخبارات التي كانت تراقب بريده الإلكتروني. أما ما اشتراه، فلا زال الحصول عليه للآن من أسهل ما يكون، وبحفنة دولارات.
وأحد الذين دقوا ناقوس الخطر الآتي من تلك المواد وسهولة الحصول عليها والتعامل الإرهابي معها، هو الأميركي سيث جونز، المختص بمكافحة الإرهاب في "مؤسسة البحث والتطوير الأميركية" والذي تحدث العام الماضي عند هجمات باريس، وذكر أن مواد "أم الشيطان" المتوفرة بسهولة جدا، ولا يثير شراؤها أي شبهة، تجعله يقترح الاعتماد على الاستخبارات فقط كمفتاح لتتبع الإرهابيين ورصدهم واعتقالهم قبل تحويل أحلامهم الى كوابيس حقيقية ودموية.
كما اقترح باحثون، تطوير أجهزة استشعار يمكنها الكشف عن TATP إذا ما تم "تشيطنها" على أيدي "الإرهابيين "وتحويلها إلى "أم شيطان" مفخخة، بمجرد الحصول على مواد من المتاجر والصيدليات ومحلات مستحضرات التجميل، وخلطها مع مواد كيمياوية ، لتصبح بقوة تفجير سرعتها 3750 مترا بالثانية الواحدة.
وأكثر من طور أجهزة تتبع لتلك المواد، هي مجموعة بحثية في مشروع تموله وزارة الدفاع الأميركية، للتوصل إلى جهاز يستشعرها بقياس تغيّر درجات الألوان، فيكشف عنها قبل انفجارها، حيث يتغير لون جزيئات TAPT حين تدخل إلى الجهاز المحمول، وبتتبعه لتغيّرات الألوان، يمكنه الكشف عن أقل من جزأين بالمليار من المركب "المتشيطن". لكن المشروع سري، وليس معروفا متى سيصل إلى ما يهدف إليه.
.gif)


