البطل فاتح المدينتين( تعزية ) بقلم /المرتضى محمد اشفق | البشام الإخباري

  

   

البطل فاتح المدينتين( تعزية ) بقلم /المرتضى محمد اشفق

البشام الإخباري /...عرفت المؤسسة نقصا حادا في أساتذة الفيزياء، وظلت أقسام البكالوريا شهرين دون أستاذ..
دخل علينا شاب، شديد بياض البشرة، شديد زرقة الدراعة، بلثام أزرق، وقميص أبيض طويل الذراعين،  يفوح منه عطر مركز، اغرورقت منه عيوننا، وأصابنا بنوبة عطاس متواصل، لا يُرى من وجهه إلا عيناه، والمساحة اللصيقة بهما، وظل كلما نزل اللثام عن مستواه، يعيده، ويشده شدا، ثم يقول مبررا إنه شديد الحساسية من الحر، ويريد أن يألفه بالتفاوت..
قدم نفسه، وقال إنه أستاذ للفيزياء محول إلى المؤسسة..
لم أرتح للرجل، لنضارة ما يبدو من جسده، ولغلاء ثيابه..
تقول النكتة الشعبية إن الله لم يجمع لكثير من المثقفات نعمتي الجمال، والثقافة، فالثقافة تعويض لما فاتهن من تلك النعمة، لأنهن، لجدبهن العاطفي، غيرُ منشغلات بترتيب المواعيد، ولا بالسمر الرومانسي، وتضيف روايات أخرى أن الأمر ينسحب على أهل التعليم كلهم، رجالا، ونساء..
ولتدني رواتبنا- نحن المدرسين- لا نستطيع ترميم أنفسنا حين نصاب بتصدعات الأشكال..ولا نملك ما نوفر به المحسنات البدنية..
قلت إن أناقة الرجل صرفتني عن الارتياح له..وخلوت بالمدير، واقترحت عليه أن يطلب من الرجل مذكرة تحويل، وبطاقة هوية تؤكدان صحة دعواه..لكن حاجة المؤسسة إلى أستاذ للفيزياء، وطلبات الأقسام النهائية، ووكلائهم، جعلا مديرنا يتعجل، ويترخص في إلغاء الطلبين..
نسيت أن أقول إن أستاذنا شديد الحياء، فلا يكلم إلا همسا، ولا يرفع بصره إلى محاوره..
أخذ الأستاذ جدوله المعد سلفا، ونزل في ضيافة أحد زملائه من أهل المدينة، وعلقت الإدارة إشعارا للتلاميذ أن أستاذ الفيزياء حضر، وعاشت عرسا تربويا بهذا الإنجاز العظيم..يومان كاملان قضاهما مدير الدروس في تطبيق التغييرات على الجداول..
قرئت الجداول الجديدة على التلاميذ، وارتفع لغط الأساتذة بتضررهم من التعديلات الطارئة..
طلب الأستاذ مهلة يومين يحضر فيهما متاعه، ومكتبته، وأدواته، ولشدة حاجة المؤسسة إليه، وافقت على طلبه..ولم لا توافق وهو الفاتح الذي جاء بعد يأس من الناس، وإحباط..
مكث صاحبنا في المدينة يومين، أو ثلاثة، استدان فيهما من أحد التجار بضمان من مضيفه، ولم يقتر على نفسه، وخطب فتاة من أهل المدينة..ولما قام ذووها بما يلزم من المشورة، وحان وقت تقديم دروسه للتلاميذ المتلهفين، والمستعذبين لهيئته، وأناقته، وحل موعد تسديد ديونه للتاجر، اختفى كما يختفي الهباء في العاصفة..
كدت أكتب أن ما حصل هو أخف الضررين، وأنني ارتحت لاختفاء الرجل، صهرنا المنتظر، لسقوط واجب مساعدته بكبش في عرسه، لما يسببه ذلك من خلل يعسر التغلب عليه، في موازنة رواتبنا..
ثم، بعد أن كادت تجف حلوق أهل المدينة من خبره، ذكر الذاكرون رجلا ينتحل صفة طبيب في بوتلميت..وزعم بعضهم أن ملامح صاحب بوتلميت، هي نفسها التي ظهر بها صاحب ألاك، وبذلك- وبعد تعزية المدينتين العزيزتين في شهدائهما- نرى أن ذلك البطل يستحق أن يدعى فاتح المدينتين.

من صفحة الأستاذ المرتضى محمد اشفق